أمراض المناعة الذاتية: الأعراض، الأسباب والعلاج
الذئبة الحمراء، التهاب المفاصل الروماتويدي، الصدفية، الداء البطني... لدى كل هذه الأمراض عامل مشترك، إنها أمراض مناعة ذاتية. تعرف على ما هي المناعة الذاتية وكيف تنشأ هذه الأمراض وطرق علاجها. كل ذلك وأكثر مع علاجك الطبية من خلال المقال التالي.
تعريف المناعة الذاتية
المناعة الذاتية أو المناعة المكتسبة هي النظام الدفاعي المسؤول عن حماية الجسم من تأثير العوامل الممرضة مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات والأجسام الغريبة الأخرى. تتطور المناعة الذاتية خلال السنوات الأولى من عمر الإنسان من خلال تعرضه للأنواع المختلفة من البكتيريا والمكيروبات، والتي يتعرف عليها الجهاز المناعي ويشكل مناعةً ضدها، بالإضافة إلى تشكيله مناعة ضد الكائنات المشابهة لها وراثيًّا.
ما هي أمراض المناعة الذاتية؟
في الحالات الطبيعية تستطيع خلايا الجهاز المناعي التفريق بين خلايا الجسم والخلايا الغريبة من خلال جزئيات مميزة توجد على سطح خلايا الجسم تميزها عن الخلايا الغريبة وتحميها من تأثير الجهاز المناعي. أمراض المناعة الذاتية هي مجموعة من الأمراض التي تحدث بسبب وجود خلل في آليات عمل الجهاز المناعي، حيث يخطئ الجهاز المناعي في التعرف على خلايا الجسم نفسها ولا يستطيع تفريقها عن الخلايا الغريبة، ولذلك يقوم بمهاجمتها وتشكيل أجسام مضادة لها ويؤدي إلى تدميرها، وهو ما يؤدي إلى ظهور حالات مرضية تختلف حسب الخلايا التي يستهدفها الجهاز المناعي للجسم.
أشهر 10 أنواع أمراض المناعة الذاتية
إن لأمراض المناعة الذاتية عدة أنواع، حيث يؤدي اختلاف نوع الخلايا التي يهاجمها الجهاز المناعي إلى اختلاف الأعراض الناتجة عن تدميرها، وبالتالي اختلاف المرض. تتضمن أشهر 10 أنواع لأمراض المناعة الذاتية:
1. الذئبة الحمراء
مرض الذئبة الحمراء من أوائل أمراض المناعة الذاتية التي تم اكتشافها. يوجد لدى المرضى المصابين بمرض الذئبة الحمراء أو الذئبة الحمامية أجسام مضادة تستطيع أن تهاجم عدة أنواع من خلايا الجسم مثل خلايا الدم والرئتين والأعصاب والمفاصل والكلى. يسبب مرض الذئبة الحمراء طفحًا جلديًّا واسع الانتشار، بالإضافة إلى تأثيره على عدد من الأعضاء والأجهزة، بما في ذلك المفاصل والكلى والقلب والدماغ، حيث تظهر هذه التأثيرات على شكل آلام في المفاصل أو أمراض في صمامات القلب واضطرابات حركية بسبب تأثر الدماغ. يتطلب العلاج في هذه الحالة إعطاء الكورتيكوستيرويد بشكل مستمر لتقليل فعالية الجهاز المناعي.
2. التصلب المتعدد
في مرض التصلب المتعدد يتعرض غمد المايلين العصبي للضرر والزوال، وهو الطبقة الدهنية التي تغطي الخلايا العصبية وتحميها من الضرر وتساعد في تحسين وظائفها ضمن الدماغ والنخاع الشوكي. تؤدي إزالة المايلين عن الأعصاب إلى تقليل سرعة نقل الإشارات العصبية بين الدماغ والحبل الشوكي وبقية أعضاء الجسم. يؤدي ذلك إلى الخدر والتنميل واضطرابات التوازن وصعوبة المشي. يتطور مرض التصلب المتعدد بعدة أنواع مختلفة الشدة، وبشكل عام فإن نصف المرضى المصابين لن يستطيعوا المشي دون مساعدة خلال 15 سنة من بدء تطور المرض.
3. داء السكري النوع الأول
يحدث داء السكري بأحد نوعين هما النوع الأول والنوع الثاني، وبينما يكون سبب النوع الثاني من داء السكري هو مقاومة الأنسولين، فإن النوع الأول يحدث نتيجة لآليات مناعية ذاتية. يحدث داء السكري من النوع الأول بسبب مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا التي تنتج هرمون الأنسولين في البنكرياس، يؤدي تدمير هذه الخلايا إلى غياب هرمون الأنسولين من الجسم أو نقصه بشكل كبير، ما يؤدي إلى الارتفاع المزمن في نسبة سكر الدم والإصابة بداء السكري. يصيب داء السكري من النوع الأول الشباب قبل سن 30 عادةً، ولا يختلف عن النوع الثاني بالأعراض إلا قليلًا.
4. التهاب المفاصل الروماتويدي
في التهاب المفاصل الروماتويدي يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة المفاصل وتدمير بنيتها، ويسبب التهاب المفاصل الروماتويدي أعراضًا تتضمن الألم والاحمرار والانتفاخ في المفصل إضافة إلى تيبس المفصل وقساوته وصعوبة تحريكه. يمكن أن يؤدي التهاب المفاصل الروماتويدي في نهاية المطاف إلى تلف المفصل المصاب بشكل تام، وأكثر ما يصيب التهاب المفاصل الروماتويدي مفاصل الأصابع ومفصل الورك والكاحل وكذلك مفصل الفك، ويمكن أن تؤدي الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي إلى إصابة أي مفصل من مفاصل الجسم.
5. الصدفية
في مرض الصدفية تقوم خلايا الجهاز المناعي بمهاجمة خلايا الجلد وتدميرها. تؤدي مهاجمة الجهاز المناعي لخلايا الجلد إلى تكاثر هذه الخلايا بشكل سريع جدا، ما يؤدي إلى تشكل قشور رمادية على الجلد. تتضمن أعراض مرض الصدفية الطفح الجلدي المنتشر بشكل واسع، إضافة إلى الحكة والألم بسبب التهاب الجلد، والنزيف من المناطق المصابة بسبب هشاشة الجلد وضعفه وكذلك بسبب الحكة المستمرة. ويعتبر مرض الصدفية من الأمراض الصعبة على العلاج والتي تستمر مع المصاب مدى الحياة.
6. الثعلبة
مرض الثعلبة هو حالة يقوم فيها الجهاز المناعي بمهاجمة بصيلات الشعر وتدميرها، ما يؤدي إلى إصابة بقع متفرقة من الرأس أو اللحية بتساقط الشعر. تتوزع المناطق المصابة بالثعلبة بشكل متفرق بين بقية الشعر السليم، وقد تؤدي الثعلبة إلى حدوث الصلع بشكل تام. من أعراض مرض الثعلبة كذلك احمرار وهشاشة وتكسر الأظافر، إضافة إلى زيادة تساقط الشعر في الجو البارد، إضافة إلى المشاكل النفسية التي يسببها مظهر الشعر والتي تتضمن الاكتئاب والقلق.
7. التهاب العضلات
التهاب العضلات هو مرض التهابي يؤثر على عضلات الساقين بشكل متناظر، ويؤدي إلى آلام في العضلات وصعوبة صعود الدرج وصعوبة النهوض من وضعية الجلوس وكذلك عدم القدرة على رفع الأشياء ذات الوزن الثقيل. يمكن أن يصيب التهاب العضلات مجموعات عضلية أخرى غير الساقين، مثل عضلات المريء التي تؤدي إصابتها إلى صعوبة البلع، وعضلات التنفس والصدر والحنجرة، والتي تؤدي إلى ضيق وصعوبة التنفس.
8. متلازمة شوغرن
في متلازمة شوغرن يشكل الجهاز المناعي أجسامًا مضادة للغدد الإفرازية في الفم والعينين ويقوم بتدمير هذه الخلايا. تؤدي الإصابة بمتلازمة شوغرن إلى نقص إنتاج اللعاب في الفم وجفاف الفم، وكذلك نقص في إنتاج الدموع من الغدد الدمعية في العين وجفاف العين. كل من جفاف الفم وجفاف العين يمكن أن يسببا مضاعفات أخرى مثل انحسار اللثة وتسوس الأسنان وتقرحات الفم وتقرحات القرنية والتهاب القرنية.
9. مرض جريفز
مرض جريفز هو أحد الأمراض الالتهابية التي تصيب الغدة الدرقية، في هذه الحالة يقوم الجهاز المناعي بتشكيل أجسام مضادة لمستقبلات هرمون TSH الذي ينظم إفراز هرمونات الغدة الدرقية. تؤدي هذه الأجسام المضادة إلى فرط نشاط الغدة الدرقية، إضافة إلى جحوظ العينين، وكذلك نقص الوزن والعصبية وتسرع نبضات القلب والهيوجية وتقصف الشعر وجفافه، التعرق المفرط وعدم تحمل الحرارة وارتعاش اليدين وضعف العضلات. يعالج مرض جريفز باستئصال الغدة الدرقية أو استخدام الأدوية المضادة للهرمونات الدرقية أو إتلاف الغدة باليود المشع.
10. الداء البطني
الداء البطني أو الداء الزلاقي هو أحد أمراض الأمعاء الالتهابية، والتي تتميز بحدوث سوء الامتصاص. يتصف الداء البطني بوجود حساسية للغلوتين لدى المرضى، والغلوتين هو بروتين موجود في القمح ومنتجات الحبوب الأخرى، ولا يستطيع المصابون بالداء البطني تناول أي طعام يحتوي على الغلوتين. تتضمن أعراض الداء البطني التطبل والإسهال المزمن أو الإمساك وعدم تحمل اللاكتوز، مع وجود غازات في الأمعاء إضافة إلى الغثيان والإقياء والألم في البطن. يمكن علاج الداء البطني من خلال الالتزام بحمية غذائية خالية من الغلوتين.
أعراض أمراض المناعة الذاتية
تختلف أعراض أمراض المناعة الذاتية حسب نوع المرض، وتتضمن أبرز الأعراض التي يمكن رؤيتها في أمراض المناعة الذاتية:
- التعب
- آلام العضلات
- الانتفاخ والاحمرار في المكان المصاب
- حمى خفيفة الدرجة
- خدر وتنميل في اليدين والقدمين
- تساقط الشعر
- الطفح الجلدي، وهو أكثر الأعراض شيوعًا حيث يحدث في مرض الذئبة الحمراء والصدفية والداء البطني والعديد من أمراض المناعة الذاتية الأخرى.
- الحكة
- تطبل الأمعاء والإمساك والألم في البطن
- الارتجاع المعدي المريئي
- وجود دم أو مخاط في البراز
- آلام المفاصل وتيبس المفاصل وطقطقة الفك
- نقص الوزن وسرعة نبض القلب والتعرق المفرط
- الدوخة والدوار والصداع
- الارتباك وصعوبة التفكير
- تشوش الرؤية
- الأرق والتوتر والاكتئاب
ما هي أسباب أمراض المناعة الذاتية؟
تحدث جميع أمراض المناعة الذاتية بسبب عدم تعرف الجهاز المناعي على خلايا الجسم وعدم قدرته على التمييز بينها وبين الخلايا الغريبة وبالتالي مهاجمته للخلايا المختلفة. إن سبب هذه الاستجابة غير الطبيعية من قبل الجهاز المناعي غير معروف. يجب أن يتوافر في المريض شرطين أساسيين للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وهما وجود قابلية وراثية لدى المرض للإصابة بالمرض، إضافة إلى وجود عوامل بيثية محرضة. توجد بعض العوامل التي يعتقد بأن لها دورًا في التسبب بخلل في استجابة الجهاز المناعي وحدوث أمراض المناعة الذاتية، والتي تتضمن:
- تناول بعض الأدوية مثل الستاتينات والأدوية الخافضة للضغط والمضادات الحيوية
- إصابة أحد أفراد العائلة بأحد أمراض المناعة الذاتية، حيث يعتقد أن للوراثة دور في زيادة خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية
- التدخين
- وجود إصابة مسبقة بأحد أمراض المناعة الذاتية تزيد من خطر الإصابة بمرض آخر، فالإصابة بمرض الذئبة الحمراء يزيد من خطر الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية.
- التعرض للمواد الكيميائية والسموم
- السمنة والسمنة المفرطة
- الإناث معرضات للإصابة بأمراض المناعة الذاتية أكثر من الذكور
- العدوى، حيث يعتقد أن العدوى ببعض أنواع الفيروسات والبكتيريا التي تشبه بنيتها بنية بعض خلايا الجسم يمكن أن تحرض حدوث أحد أمراض المناعة الذاتية، مثل مرض السكري من النوع الأول والذي يحدث بعد التعرض للعدوى ببعض أنواع الفيروسات.
المضاعفات
قد تسبب بعض أمراض المناعة الذاتية مضاعفات خطرة إذا لم يتم علاجها وتدبيرها بالشكل الصحيح، تتضمن مضاعفات أمراض المناعة الذاتية:
- تقرحات الأطراف واعتلال الكلية وأمراض العيون بسبب السكري، والتي تحدث بسبب تأثير نسبة السكر المرتفعة على الشرايين والأوردة وإضعاف الدورة الدموية.
- اعتلال الأعصاب السكري.
- تقرحات الفم وانحسار اللثة وتسوس الأسنان في متلازمة شوغرن بسبب جفاف الفم
- تلف المفاصل في التهاب المفاصل الروماتويدي
- في داء جريفز يؤدي فرط نشاط الغدة الدرقية إلى نقص الوزن الشديد وجحوظ العينين وتسارع ضربات القلب
- قد يؤدي الداء البطني إلى سوء التغذية ونقص الوزن
- يؤدي التصلب المتعدد إلى عدم القدرة على المشي بشكل جيد، والتي قد تصل إلى الشلل، إضافة إلى اضرابات التوزن واضرابات الحس مثل الخدر والتنميل
- المشاكل العصبية مثل ضعف التركيز وعدم القدرة على التفكير، والارتباك والاكتئاب والقلق وتشوش الرؤية.
كيف يمكن تشخيص المناعة الذاتية؟
لا يوجد اختبار واحد يمكنه تشخيص أمراض المناعة الذاتية، يتم الاعتماد على الأعراض والفحص البدني والتاريخ الطبي والعائلي إضافة إلى بعض الاختبارات من أجل التشخيص. يتوفر اختبار يسمى اختبار الأجسام المضادة للنوى ANA، والذي تعني النتيجة الإيجابية له الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية. يمكن تشخيص مرض جريفز من خلال ملاحظة فرط نشاط الغدة الدرقية مع جحوظ العينين واختبار الأجسام المضادة لمستقبلات TSH. يمكن تشخيص السكري من النوع الأول من خلال اختبارات السكري المعروفة مثل سكر الصيام واختبار تحمل السكر والهيموغلوبين السكري. تبحث الاختبارات الأخرى عن أجسام مضادة معينة يتم إنتاجها في بعض أمراض المناعة الذاتية.
علاج أمراض المناعة الذاتية
لا يوجد علاج يمكن أن يشفي أمراض المناعة الذاتية بشكل كامل، إنما تهدف العلاجات المتوفرة إلى علاج الأعراض وإيقاف تقدم المرض. يمكن علاج أمراض المناعة الذاتية باستعمال الأدوية المثبطة لنشاط الجهاز المناعي، والتي تتضمن:
- الكورتيكوستيرويدات
- السيكلوسبورين
- الميثوتركسات (للحالات الشديدة)
- مشتقات فيتامين أ لعلاج أمراض الجلد مثل الصدفية والثعلبة
- العلاج الضوئي للصدفية بالأشعة فوق البنفسجية
- مشتقات فيتادين د والأنثرالين
- مضادات الالتهاب غير الستيرويدية والمسكنات لعلاج الألم
- مضادات الهيستامين لعلاج الحكة
- الأنسولين لعلاج مرض السكري من النوع الأول
قد تحتاج بعض الحالات إلى إجراءات إضافية مثل تبديل المفصل في التهاب المفاصل الروماتويدي أو استئصال الغدة الدرقية في مرض جريفز.
يساعد الالتزام بنظام غذائي متوازن وصحي مع ممارسة التمارين الرياضية بشكل منتزم على تقليل الأعراض وتحسين جودة الحياة.
أمراض المناعة الذاتية والحمل
يشكل علاج أمراض المناعة الذاتية تحديًّا كبيرًا عند المرأة الحامل، وذلك بسبب خطورة الأدوية المستخدمة للعلاج وعدم أمانها على الجنين. مع ذلك فإن المصابات بأمراض المناعة الذاتية في معظم الحالات لا يواجهن مشاكل خطيرة أثناء الحمل ويمر الحمل دون مضاعفات تذكر. قد تتحسن بعض أمراض المناعة الذاتية أثناء فترة الحمل، بينما بعض الأمراض قد تتفاقم وبعضها يبقى كما هو. قد يؤدي الحمل إلى الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية كذلك، والذي يمكن أن يختفي بعد الولادة أو يستمر.
أسئلة شائعة عن أمراض المناعة الذاتية
تحرير: علاجك الطبية©
